إن لتذكر الموت أثر كبير في إصلاح النفوس وتهذيبها ، ذلك أن النفوس تؤثر الدنيا وملذاتها وتطمع في البقاء المديد في هذه الحياة ، وقد تهفو إلى الذنوب والمعاصي ، وقد تقصر في الطاعات ، فإذا اكان الموت على بال العبد ، فإنه يصغر الدنيا في عينيه ، ويجعله يسعى في إصلاح نفسه وتقويم المعوج من أمره ، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم قوله ( أكثروا ذكر هادم اللذات : الموت ، فإنه لم يذكره في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ، ولا ذكره في سعة إلا ضيقها) صحيح الجامع
قال القرطبي في التذكرة: واعلم أن الموت هو الخطب الأفظع ، والأمر الأشنع ، والكأس الذي طعمها أكره وأبشع ، وإنه الأهدم للذات ، والأقطع للراحات ، والأجلب للكريهات ، فإن أمرا يقطع أوصالك ، ويفرق أعضاءك ، ويهدم أركانك لهم الأمر الفظيع والخطب الجسيم وإن يومه لهو اليوم العظيم
وقد وعظ الله سبحانه رسوله بالموت فقال ( إنك ميت وإنهم ميتون ) وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( أتاني جبريل فقال يا محمد عش ما شئت ، فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك نفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس) رواه الطبراني
ومن عظات الصحابي الجليل أبي الدرداء قوله : أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث : أضحكني مؤمل الدنيا والموت يطلبه ، وغافل ليس بمغفول عنه ، وضاحك بمليء فيه وهو لا يدري أأرضى الله أم أسخطه. وأبكاني فراق الأحبة محمد صلى الله عليه وسلم وحزبه ، وهو المطلع عند غمرات الموت ، والوقوف بين يدي الله ، يوم تبدو السريرة علانية ، ثم لا يدري إلى الجنة أو إلى النار
وقال أبو الدرداء أو أبو ذر : تلدون للموت ، وتعمرون للخراب ، وتحرصون على ما يفنى وتذرون ما يبقى
ونقل القرطبي عن يزيد الرقاشي أنه كان يقول لنفسه : ويحك يا يزيد من ذا يصلي عنك بعد الموت ؟ من ذا يصوم عنك بعد الموت ، من ذا يرضي عنك ربك بعد الموت ؟
ثم يقول: يا أهيا الناس ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم ؟ من القبر طالبه، والقبر بيته والتراب فراشه والدود أنيسه ، وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر ، كيف يكون حاله ؟
وقال الدقاق: من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة: تعجيل التوبة ، وقناعة القلب ، ونشاط العبادة ، ومن نسي الموت عوجل بثلاث : تسويف التوبة ، وترك الرضى بالكفاف ، والتكاسل في العبادة
وقال أبو الدرداء : من أكثر ذكر الموت قل فرحه ، وقل حسده
وقد أكثر الشعراء من ذكر الموت والوعظ به، فقال أحدهم
مشيناها خطا كتبت علينا ***** ومن كتبت عليه خطا مشاها
وأرزاق لنا متفرقات ***** فمن لم تأته منا أتاها
ومن كتبت منيته بأرض ***** فليس يموت في أرض سواها
وقال آخر
وإذا وليت قوما ليلة **** فاعلم بأنك بعدها مسؤل
وإذا حملت إلى القبور جنازة ***** فاعلم بأنك بعدها محمول
وقال آخر
تزود من الدنيا فإنك لا تدري ***** إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من عروس زينوها لزوجها ***** وقد أخذت أرواحهم ليلة القدر
وكم من سليم مات من غير علة ***** وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
وكم من فتى يمسي ويصبح لاهيا ***** وقد نسجت أكفانه وهو لايدري
وكم من ساكن عند الصباح بقصره ***** وعند المسا قد كان من ساكن القبر
فكن مخلصا واعمل الخير دائما **** لعلك تحظى بالمثوبة والأجر
وداوم على تقوى الإله فإنها ***** أمان من الأهوال في موقف الحشر
***
[i]